في عام 1949، شكك الباحثون لأول مرة في فعالية الأنسولين لدى بعض المرضى، وهو الاكتشاف الذي قلب موازين الطب وفهم مرض السكري رأساً على عقب. فبعد عقود من الاعتقاد بأن نقص الأنسولين هو السبب الوحيد للإصابة بالسكري، اكتشف العلماء حقيقة مذهلة: بعض مرضى السكري لديهم مستويات أنسولين أعلى من الأشخاص الأصحاء!
هذا الاكتشاف الثوري أدى إلى ولادة مصطلح "مقاومة الأنسولين"، وهي حالة تجعل خلايا الجسم تقاوم تأثير الأنسولين رغم وجوده بكميات طبيعية أو حتى مرتفعة في الدم.
ما هي مقاومة الأنسولين وكيف تحدث؟
مقاومة الأنسولين هي حالة مرضية تتطور عندما تفشل خلايا الجسم في الاستجابة بشكل طبيعي للأنسولين، الهرمون المسؤول عن نقل السكر من الدم إلى داخل الخلايا. وتحدث هذه العملية المعقدة من خلال مستقبلات خاصة على أغشية الخلايا تتكون من ثلاثة أجزاء رئيسية.
عندما تتعطل هذه المستقبلات أو تنقص أعدادها، تصبح الخلايا غير قادرة على استيعاب السكر بكفاءة، مما يؤدي إلى تراكمه في الدم. وما يزيد الأمر تعقيداً أن هذه الحالة تصيب مرضى السكري من النوع الثاني لسنوات عديدة قبل ظهور أعراض المرض الفعلية.
العلامات التحذيرية التي يجب عدم تجاهلها
أعراض صامتة تتطلب اليقظة
الخطير في مقاومة الأنسولين أنها مرض صامت لا تظهر أعراضه واضحة في البداية. لذلك يحتاج الأشخاص لفحوصات دم دورية لاكتشافها مبكراً. ومع ذلك، هناك علامات تحذيرية مهمة تشمل:
- زيادة محيط الخصر بشكل ملحوظ عند الرجال والنساء.
- ارتفاع ضغط الدم إلى مستويات 130/80 أو أعلى
- ارتفاع مستوى السكر في الدم أثناء الصيام لأكثر من 100 مليغرام/ديسيلتر
- اضطراب مستويات الدهون الثلاثية والكوليسترول
- ظهور بقع جلدية داكنة مخملية تُعرف باسم "الشواك الأسود"
ما هي الأسباب الجذرية وعوامل الخطر الرئيسية؟
رغم أن السبب الدقيق لمقاومة الأنسولين لا يزال محل دراسة، إلا أن الخبراء حددوا عوامل خطر واضحة ترتبط بأسلوب الحياة العصري:
اولاً: الأسباب الغذائية والبيئية
- اتباع نظام غذائي عالي السعرات الحرارية والكربوهيدرات المكررة.
- تناول المنشطات لفترات طويلة.
- الإصابة بأمراض هرمونية مثل متلازمة تكيس المبايض.
- تراكم الدهون في الكبد والبنكرياس. المستويات المرتفعة من الالتهاب في الجسم.
ثانياً: عوامل الخطر الشخصية
- السمنة، خاصة في منطقة البطن.
- قلة النشاط البدني والحياة المستقرة.
- التدخين وما يحتويه من نيكوتين.
- اضطرابات النوم المزمنة.
- التقدم في العمر بعد سن 45 عاماً.
- تناول أدوية معينة كالستيرويدات.
المضاعفات الخطيرة: تأثير مدمر على أجهزة الجسم
تُعتبر مقاومة الأنسولين بوابة لمجموعة واسعة من المضاعفات الصحية الخطيرة التي تؤثر على أجهزة الجسم المختلفة.
1. المضاعفات القلبية الوعائية
- الذبحة الصدرية واحتشاء عضلة القلب. السكتة الدماغية.
- ارتفاع ضغط الدم المزمن.
2. المضاعفات الأيضية
- التقلبات الحادة في مستويات السكر.
- أمراض الكلى المزمنة.
- مشاكل الرؤية وأمراض العين.
3. المضاعفات طويلة المدى
- زيادة خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان
- مرض الزهايمر والتدهور المعرفي.
التشخيص المبكر والفحوصات التي تنقذ الحياة
الفحص السريري: دراسة التاريخ الطبي للعائلة، قياس الوزن ومحيط الخصر، فحص ضغط الدم.
الفحوصات المختبرية الأساسية: فحص الغلوكوز أثناء الصيام، واختبار تحمل الغلوكوز الفموي، وفحص السكر التراكمي الذي يُظهر متوسط السكر خلال الأشهر الماضية.
طرق العلاج والوقاية
1. العلاجات الدوائية
- أدوية الثيازوليدينديون التي تحسن حساسية الخلايا للأنسولين.
- مجموعة البيغوانيد مثل الميتفورمين التي تقلل إنتاج السكر في الكبد.
2. العلاج الطبيعي
- برامج التمارين الرياضية المنتظمة.
- الحميات الغذائية المتوازنة.
- إدارة الوزن بشكل علمي.